الجمعة، 27 يناير 2017

سرد تاريخي لمعضلة الإسكان بين الماضي والحاضر

تاريخ الإسكان في المملكة:

من أراد أن يتحدث عن الإسكان عليه أن يفهم تاريخه, فقبل أربعة عقود من الزمن أنشأ جلالة الملك خالد رحمه الله وزارة الأشغال العامة والإسكان وقد أصدر بياناً في تلك الفترة ذكر فيه مقولته الخالدة (سيجد السعودي إن شاء الله أينما تواجد في هذه المملكة الواسعة مسكنناً مريحاً نؤمن له فيه الماء والكهرباء). وكانت هذه الكلمات هي الانطلاقة الحقيقية لتنمية قطاع الإسكان في المملكة.

 كما واكبها أيضاً انشاء صندوق التنمية العقاري لإقراض المواطنين وتمكينهم من بناء المساكن بشكل ميسر. وفي نفس الفترة تم اصدار الأنظمة واللوائح لمنح الأراضي من وزارة الشؤون البلدية والقروية وقد تم تخصيصها وفق ضوابط معينه "لذوي الدخل المحدود" وكانت من أهم الضوابط (منع المواطن من المتاجرة بالعقار الممنوح له). ولقد استمر الحال في تحقيق رؤية جلالة الملك خالد حتى صدر قرار في عام 1420 هـ بإلغاء وزارة الأشغال العامة والإسكان ودمجها ونقل مهامها إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية مع استمرار الصندوق العقاري بمهامه . 
 
فوضى السوق العقاري:

بعد إلغاء وزارة الاشغال , بدأ ضخ منح الأراضي يزداد يوماً بعد يوم وأصبح "المحتاج والمقتدر سواسية" إلى أن تحول الهدف من مسكن ميسر للمواطن إلى سلعة متداولة ومكتسبه تُباع بأضعاف مضاعفة. ولتحليل الموقف أكثر فقد كان من أهم الأسباب التي أحدثت فجوة كبيرة في السوق هي "المضاربات السعرية والمقايضات الوهمية والمساهمات العقارية وسوق التمويل للقروض الشخصية من البنوك ومماطلة المواطنين في سداد قروض الصندوق بالإضافة إلى غياب التنظيم عن السوق العقاري" مما جعل المواطن ينغمس في بحر الإيجار المبالغ فيه , وهذا أدى إلى ارتفاع نسبة عدم تملك العقار إلى أكثر من 60% من المواطنين. 
 
الهيئة العامة للإسكان:

تم إنشائها في عام 1428 هـ وكان من أهم ركائزها (تنظيم السوق العقاري وتيسير حصول المواطن على المسكن , وزيادة نسبة التملك , وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في دعم النشاط الإسكاني , ورفع نسبة المعروض من المساكن بمختلف انواعها ومنتجاتها). ولأن الفارق كبير بين الماضي والحاضر فقد كان عدد السكان في أول تعداد عام 1394 هـ هو (7,009,466) مليون نسمة منهم (6,218,361) مليون مواطن و (791,105) ألف مقيم بينما سجلت الاحصائية الاخيرة هذا العام أن عدد السكان قد بلغ (31,742,308) مليون نسمة منهم (20,064,970) مليون مواطن و(11,677,338) مليون مقيم وهذا يبين أنه قد تضاعف عدد السكان إلى نسبة 453%. لذلك فالمشكلة أصبحت شائكة وتحتاج إلى إيجاد الآليات الممكنة لجمع واحصاء المستحقين وتحديد شرائح المستفيدين من الدعم وهذا سيتطلب عدة سنوات لتبدأ الرحلة الجديدة في تحويل الهيئة إلى وزارة .
 
رحلة وزارة الإسكان:

تم تحويل هيئة الإسكان إلى وزارة الإسكان في عام 1432 هـ لتعود الأمور إلى نِصابها وتبدأ في جمع البيانات من المواطنين وفرزها والعمل على خلق المبادرات مع الوزرات الحكومية والقطاع الخاص والبدء في انشاء البرامج التي ستساهم في حل هذه المعضلة ومنها (تطبيق نظام رسوم الأراضي البيضاء على عدة مراحل, وتطبيق برنامج وافي وهو "البيع على الخارطة", وتطبيق برنامج مسارات التملك لمعرفة المستحقين وتمييز الأشد حاجة عن الاقل منه). كما تشمل البرامج تطبيق نظام اتحاد الملاك المعني بالوحدات السكنية المشتركة فهو سيحفظ حقوق جميع الأطراف, وتطبيق نظام إيجار المعني في توثيق العقود وحفظ حقوق جميع أطراف العملية التأجيرية, وتطبيق برنامج إتمام وهو مخصص لخدمة المطورين العقاريين المتعاونين مع الوزارة) وآخرها إطلاق منتج (سكني) بالشراكة مع البنوك وشركات التمويل وسيستفيد من هذا المنتج عدد 280,000 مواطن منها (عدد 85,000 ألف مواطن مستحق من أصل 400,000 مواطن من قوائم الصندوق العقاري) وأيضاً (عدد 195,000 ألف مواطن من مستحقي الدعم السكني من أصل 754,570 ألف مواطن مستحق لدى برنامج الدعم السكني في وزارة الإسكان) , ولكي تواكب الوزارة هذا التطور في العمل سعت لتغيير بعض المفاهيم السائدة لديها في تحويل دور الوزارة من "التخطيط والتطوير" إلى الدور "التنظيمي والرقابي" حيث أن  عدد مشاريع الإسكان القائمة 68 مشروع منها 32 مشروع قارب على الانتهاء وهذا العدد لا يفي بالغرض ولن يسد الاحتياج السكني لذلك قامت الوزارة بعقد الشراكات والاتفاقيات مع المطورين العقاريين في الداخل والخارج وتسليم البنوك وشركات التمويل زمام ضخ السيولة والتمويل وكل ما أوردته سابقاً سيكون عنصر مساعد لتحقيق رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 برفع نسبة تملك المواطنين خلال الخمس سنوات القادمة من 47% إلى 52% .

بدون قيود ..
حتى لا نسكب الزيت على النار , عِقدٌ من الزمان تكالبت فيه الظروف وزادت فيه رقعة المحتاج للمسكن , لا يمكن أن تُحل بين ليلةٍ وضحاها , فيجب أن يتكاتف الجميع بداية من المواطن في تغيير بعض مفاهيمه في امتلاك المسكن وعدم الاتكالية على الدولة لتوفير المسكن الجاهز والعمل على زرع وإحياء ثقافة الادخار والاعتماد على النفس في الأجيال القادمة بالإضافة إلى ترقب الفرصة لامتلاك المسكن , وامتدادا لدور المواطن يجب على جميع الجهات والوزارات الحكومية وشركات التطوير العقاري والبنوك أن تضع يدها بيد وزارة الاسكان لتحقيق رؤية الملك سلمان حفظه الله التي ذكرها في مقولته الشهيرة "إن توفير السكن الملائم للمواطنين وأسباب الحياة الكريمة من أولوياتنا وهو محل اهتمامي الشخصي" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق